آخر المشاركات

Menu

حوار مع القائد الادنى ماركوس '' هم لا يعرفون من أنا، لكنه شأن لا يتعلق بهم بأي شكل"



الحوار منقول عن موقع:
الحوار المتمدن

نشر هذا الحوار للمرة الأولى في " ريفيستيا كامبيو " ,في بوجوتا . 

* يلقب"ماركوس" بالقائد الأدنى سخرية من عادات زعماء العالم الثالث بنعت أنفسهم بالقائد الأعلى..  


جارسيا مركيز وروبرتو بومبو
ترجمة خالد القيشاوي
حوار أجراه " جارسيا ماركيز" , و " روبرتو بومبو " عن لحظة دخلول قوات الزباتيستا للتحرر الوطني إلى العاصمة " مكسيكو سيتي" ،أكبر إنتصار حققته الزاباتيستا,أهم الحركات الثورية للسكان الأصليين في أمريكا اللاتينية وأكثرها شهرة على المستوى العالمي.. ويتحدث فيه (القائد الأدنى)* " ماركوس " عن الحلم الاستراتيجي للزاباتيستا والمصادر الأدبية والفكرية للنضال الثوري . والتناقض الذي تحياه الزاباتيستا كحركة تحمل السلاح، وفي الوقت نفسه تري أن الجيوش_حتى الجيوش الثورية- لاتبنى إلا نظما إستبدادية…


بعد سبع سنوات من إعلان جيش الزاباتيستا للتحرر الوطني أنه سيدخل مكسيكوسيتي يوما ما منتصرا , أنتم الآن في العاصمة وتسيطرون تماما على " زوكالو" . ماذا كان إحساسك وأنت تعتلي المنصة وترى هذا المشهد ؟

من التقاليد الأصيلة للزاباتيستا رفض الأبراج العالية , وعليه فإن أسوأ مكان تشاهد فيه مظاهرة في " زوكالو" هو المنصة , كانت الشمس حارقة , والدخان كثيف , والصداع يصيبنا جميعا , والقلق يسيطر علينا ونحن نحصي من يصابوا بالإغماء أمامنا . قلت لرفيقي القائد " تاتشو" , سوف نعتاد الدخان والشمس مع الوقت , بدأنا ندعو الناس إلى عدم مغادرة الميدان . على الرغم من أننا لم نكن قادرين على مشاهدة كل الطرق المؤدية إليه . كنا نحتفظ بمسافة تفصلنا عن الزحام , وذلك لأسباب أمنية . كما كنا أيضا في حالة بالغة من الـتأثر والاستثارة , ولم نكن نعرف ما يحدث في " زوكالو" حتى قرأنا التقارير الصحفية وشاهدنا الصور في اليوم التالي . ولكن كنا نرى , كما كان يعتقد آخرون ,أن الاجتماع بلغ ذروته , وأن كلماتنا في ذلك اليوم كانت موفقة . وأن رسالتنا أصابت الحقيقة , أننا اربكنا أولئك الذين كانوا يتوقعون أننا سنحاصر القصر أو سندعو للعصيان العام . كما اربكنا أيضا من كانوا يعتقدون أننا لسنا إلا مجرد خياليين ومتحمسين . أعتقد أننا ضربنا كل هذه التوقعات . وبشكل أو بأخر , استطاعت قوات زاباتيستا للتحرر الوطني أن تكون مسموعة في زوكالو في 11 مارس 2001 بشكل غير مسبوق , وأن تؤكد أن الهزيمة النهائية للعنصرية لابد أن تترجم في سياسة الدولة , وفي السياسة التعليمية , وفي الوعي الجماعي لكل المجتمع المكسيكي . وعلى حد قول جنودنا , تم كسب المعركة , لكن لازالت هناك مناوشات محدودة . الخلاصة , أنني مؤمن بأن الاجتماع الذي عقد في " زوكالا" . أوضح أن قرارانا بتجنب استخدام السلاح كان قرارا صحيحا , لذلك , لم تكن أسلحتنا هي وسيلتنا في الحوار مع المجتمع , وأن الرهان على التحرك السلمي كان رهانا عقلانيا ومثمرا . لا زالت الدولة المكسيكية عاجزة عن فهمه , خاصة الحكومة المكسيكية .

استخدمت تعبير " كما يقول جنودنا " . بالنسبة لأي كولومبي , اعتاد الحديث بأسلوب المغاوير المسلحين , فإن حديثك لا يحمل ألفاظا عسكرية واضحة . كيف تعسكرت الحركة التي تقودها , وكيف يمكنك وصف الحرب التي تخوضها ؟


نحن تشكلنا كقوة مسلحة , حركة الزاباتيستا للتحرر الوطني . حركة ذات بنية عسكرية, وأنا قائد عسكري لجيش التحرر . لكن جيشنا مختلف تماما عن غيره من القوات المسلحة , لأن هدفنا هو أن نكف عن حمل السلاح . أي جندي بطبيعته شخص يتصرف بشكل مناف للعقل , فهو يلجأ للسلاح لكي يقنع الآخرين !! لذلك فإن حركة الزاباتيستا تدرك أنها بلا مستقبل إذا كان مستقبلها هو حمل السلاح . إذا أبدت حركة الزاباتيستا نفسها في بنية عسكرية مسلحة , فإنها ستفشل لا محالة . ستفشل في أن تكون بديلا يقوم على أساس أفكار و مواقف محددة من العالم . فضلا عن ذلك , فإن أسوأ شئ يمكن أن يحدث لها. أن تأتي إلى السلطة وتنصب نفسها باعتبارها جيشا ثوريا . بالنسبة لنا , هذا فشل ذريع . إن ما يعتبر نجاحا لمنظمات سياسية – عسكرية نشأت في السيتينات و السبعينات مع حركات التحرر الوطني , لا نعتبره إلا فشلا وزيفا .

نحن نرى أن هذه الانتصارات تأكد فشلها في النهاية , أو هزيمتها , واختباءها خلف ادعاءات النجاح . إن ما يبقى بلا حل هو دور الناس , دور المجتمع المدني , في النزاع الذي لا ينتهى بين الطرفين المتنازعين من أجل السيطرة والهيمنة . فهناك قوة تقرر من برجها العالي مصالح المجتمع , وجماعة من الحالمين يقررون قيادة البلاد في الطريق الصحيح والإطاحة بالمجموعة الأخرى من السلطة , والإحلال محلها , أيضا ليقرروا ماهو في صالح المجتمع , بالنسبة لنا , فإن الصراع بين الطرفين الساعين من أجل الهيمنة , يكون فيه المنتصر هو الخير , والمهزوم هو الشر .. صراع لا يفضي إلى أي تغييرات أساسية لصالح المجتمع , تدرك حركة الزاباتيستا للتحرر الوطني ذلك تماما , ولذلك فإن صفتها العسكرية تتقلص , وأسلحتها مقيدة , لذلك فنحن لا نعتبر التحركات المسلحة أفضل من التحركات السلمية , بل ندرك ذلك بشكل واضح . أصبح وزن السلاح أقل من قبل , كما تصبح الجماعات المسلحة أقل أهمية حينما تدخل في حوار مع الشعب . إنك لا تستطيع إعادة بناء العالم ولا إعادة بناء المجتمع , ولا حتى إعادة بناء الدول القومية الآن , على أساس النزاع حول من سيفرض هيمنته على المجتمع .

يتكون العالم بشكل عام , والمكسيك بشكل خاص , من أنواع مختلفة من الناس , لا بد أن تقوم العلاقات فيما بينهم على أساس الاحترام والتسامح . وهي الأشياء التي لا وجود لها في خطاب المنظمات السياسية- العسكرية التي وجدت في الستينيات والسبعينيات . والواقع , وفي الغالب الأعم , أنها موجودة , وتعاني منها حركات التحرر الوطني المسلحة في هذه الأيام , لكنها تؤدي لكوارث فادحة .

تبدو أيضا مختلفا عن اليسار التقليدي , في القطاعات الاجتماعية التي تمثلها . . هل هذا صحيح ؟

بشكل عام , هناك قضية فلاحية كبيرة في داخل حركة اليسار الثوري في أمريكا اللاتينية . تتعلق بالسكان الأصليين , الذين جئنا من بين صفوفهم , وأيضا بشأن الأقليات الأخرى . و حتى ولو رفعنا قبعاتنا احتراما لغيرنا من الاقليات فلن نعامل معاملة أقليات أخرى مثل الشواذ . فالشواذ لم يستبعدوا من الخطاب السياسي لليسار الأمريكي اللاتيني في الستينات والسبعينات – وحتى اليوم – لكن الإطار النظري للماركسية اللينينية آنذاك كان لا يحترمهم, وإن كان يعتبرهم جزء مهملا من الجبهة . فالمثليين , على سبيل المثال , يشتبه في أنهم قد يكونوا خونة محتملين , وعناصر ضارة سواء للحركة الاشتراكية أو للدولة . لكن السكان الأصليون ينظر لهم باعتبارهم قطاع متخلف يعيق قوى الإنتاج !!.. لذلك , كان المطلوب القضاء على هذه العناصر , وسجن بعضهم , أو إعادة تعليم بعضهم الأخر , واستيعاب الآخرين في عملية الإنتاج , وتحويلهم إلى عمال مهرة – بروليتاريا , ووضعهم في هذا الإطار .

عادة , يتحدث الجيش الثوري باسم الأغلبية . ألا يبدو غريبا أن تتحدث باسم الأقلية’ بينما تستطيع التحدث باسم الفقراء أو المستغلين في المكسيك برمتها . لما تفعل ذلك ؟

كل الحركات الطليعية تعتبر نفسها ممثلة للأغلبية . نحن لا نعتقد أن هذه الفكرة زائفة فحسب , بل نعتبرها في أفضل الأحوال ليست أكثر من مجرد أمنية لا أساس لها في الواقع. فقد أصبح لكل القوى الاجتماعية الراهنة اليقين بأن أولئك الذين يدعون تمثيلها أو قيادتها , هم أنفسهم يدركون عدم صحة ذلك . في هذا الإطار, ليس لحركة الزاباتيستا للتحرر الوطني أية ادعاءات بأنه حركة طليعية , ولا تعترف إلا بأوضاعها الواقعية . إن الاعتقاد بأننا يمكن أن نتحدث باسم الناس ونعبر عن مصالحهم هو استمناء سياسي . بل أن هذا الأمر لا يجلب الرضا مثله مثل الجماع الناقص الذي لا يجلب المتعة – على الأكثر , مثل الكتابات التي لا يقرأها سوى من كتبوها . نحن نسعى إلى أن نكون أمناء مع أنفسنا , وقد يقول البعض أن هذا التصرف سلوكا إنسانيا لائقا . أننا لا ندعي الفضيلة , ولكننا نقول بأمانة أننا لا نمثل سوى جماعات الزاباتيستا للسكان الأصليين في منطقة جنوب شرق المكسيك , وإن كان خطابنا يصل إلى قطاعات أوسع من أولئك الذين نمثلهم . هذا كل ما في الأمر . فلنا في كلماتنا التي ألقيناها خلال مسيرتنا إلى العاصمة , أننا لا نستطيع ولا يجب أن نسعى لقيادة الصراعات والنضالات التي نلاقيها خلال رحلتنا , ولا حتى رفع شعارات لهم . نحن لا نرى أن هؤلاء غير قادرين على التعبير عن أنفسهم , وعن المظالم الكثيرة التي يعانون منها , وعن شكاواهم , ومطالبهم . . . في تصورنا أن مسيرتنا كانت مثل حرث الأرض وتقليبها التي تسمح بكشف الكثير من المدفون فيها . كنا أمناء وقلنا للناس أننا لم نأت لنقود أحدا وفقا لما نتصوره . جئنا فقط لنحقق مطلب , لكن تحركنا هذا , يمكن آخرين من التحرك. وتلك قصة أخرى .

هناك كلام عن أنكم مضيتم من مدينة إلى أخرى على غير هدى إلى أن وجدتم أنفسكم في مكسيكوسيتي , فهل كنتم تستهدفون العاصمة منذ البداية ’ أم أن الأمر تحدد خلال المسيرة؟

هناك حكاية رسمية وحكاية حقيقية . الحكاية الرسمية هي أننا كنا نحدد كل ما نفعله في كل خطوة . أما الحكاية الحقيقية هي أننا كنا نناقش معا هذه الأمر من حين لأخر على مدار السنوات السبع الماضية . جاءت اللحظة المناسبة عندما حقق الزاباتستيون أعضاء الحركة تطورات كثيرة . فإن ما نحن عليه الآن , ليس هو ما كنا فيه عام 1994 , أو في الأيام الأولى من عام 1994 حينما بدأنا القتال ؟ فنحن نعمل وفق مجموعة من الأحكام الأخلاقية, التي حددناها خلال السنوات السبع الأخيرة . ففي النهاية نحن لم نحرث الأرض على نحو ما كنا نأمل . لكن ما فعلته مسيرتنا كان كافيا لإظهار كل هذه المشاعر الملتهبة على السطح. في كل الميادبن , كنا نقول للناس : " نحن لم نأت لكي نقودكم , لم نأت لنقول لكم ما تفعلوه , ولكن جئنا لنستعين بكم " . إلى درجة أننا تسلمنا خلال المسيرة : قوائم بشكاوي ودعاوى قضائية ترجع إلى ما قبل الثورة المكسيكية , قدمت لنا على أمل أن يقوم شخص ما بحل المشاكل الواردة فيها . لو أننا حصدنا وقيمنا نتائج مسيرة الزاباتيستا , لاستمر جدلنا حتى اليوم . ولا يستطيع أحد أن يقيم لنا نتائجها . أن أشكال التنظيم , والمهام السياسية , قد تحتاج لبعض التغيرات وفقا لما هو ممكن . فعندما نقول للقيادات "لا " فإننا أيضا سيقال لنا "لا " .

أنت والزاباتيستا بلغتم ذروة التألق . وهناك مشروع قانون مقدم للكونجرس المكسيكي يتعلق بالسكان الأصليين وتقنين أوضاعهم , وبدأت المفاوضات التي كنت تدعو لها . فكيف ترى المشهد الآن ؟
نحن نعمل وفق زمنين وساعتين مختلفتين , يدور الصراع بين ساعة تعمل بالكروت المثقبة , وتلك ساعة " فوكس" , أما نحن فساعتنا رملية . الجدل يدور حول الخضوع لمبدأ العمل وفق ساعة المصنع أي ساعة "فوكس" وإلغاء ساعتنا الرملية . يجب أن يدور الجدل ليس وفقا لساعتهم ولا لساعتنا . كلانا يحتاج إلى فهم موقف الأخر , ولذلك نحن نحتاج لساعة أخرى نتفق عليها , أي نحتاج لاتفاق على إيقاع الحوار وعلى السلام النهائي . نحن لسنا طرفا في ساحة الصراع على السلطة , ولو دخلناه سنكون على أرضهم تماما , وسنكون غير فاعلين وغير مؤثرين على الإطلاق إذا دخلنا اللعبة السياسية , على الأقل في هذا النوع من السياسة . نحن لا نجيدها , ونتعثر فيها , ولا نريد الدخول فيها . أما خصومنا فيجيدونها , وهم لاعبون مهرة . على هذه الأرضية سيدور الجدال , سواء حدد السياسيون أجندته أو حددت وفقا لاحتياجاتنا . مرة أخرى , أعتقد أن لا نحن ولاهم يمكن أن يكون بيننا حوار . حينما خضنا حرب , كنا نتحدى الحكومة , لكننا الآن لكي نبني سلام فنحن لا نتحدى الحكومة وحدها , بل نتحدى الدولة المكسيكية برمتها .وهنا لا يمكن الجلوس على مائدة الحوار مع الحكومة . مع ذلك نحن ندعو لإقامة هذا الحوار , ونحن في حاجة له , ونتحدى الحكومة أن تكون مقتنعة به , ولن تجلس للحوار أو تتوقف عنه إلا إذا رأت فيه مكسبا لها . ولذلك فإنه حتى ولو بدا , فإنه سينتهي إلى الفشل .

من يجب أن يجلس على مائدة هذا الحوار ؟

الحكومة في جانب , ونحن في الجانب الأخر .

فعليا , ألم يوافق " فوكس " على الحوار , حينما أعلن رغبته في الحوار معك , وأنه سوف يستقبلك في القصر الرئاسي , أو في أي مكان تريده ؟

ما يقوله فوكس لا يعكس إلا رغبته في الحصول على جانب من كعكة وسائل الإعلام , التي أصبحت وسيلة لكسب الشعبية , وذلك أهم عنده من الدخول من حوار أو في مفاوضات.يبحث فوكس عن فرصة لجذب الإعلام , والحفاظ على كسب اهتمامه به وبتصريحاته . لكن عملية السلام لا يمكن أن تحدث من خلال الاستعراضات والمشاهدات الدعائية , ولكن بالجلوس بجدية على مائدة المباحثات وتكريس جهودك لحوار حقيقي. نحن مستعدون تماما لمباحثات مع " فوكس" , إذا تحمل المسئولية الشخصية للحوار , وتعهد بأن تفضي المفاوضات معنا إلى نهاية . لكننا نسأله : من سيدير البلاد خلال فترة مباحثاتك معنا , التي ستكون محادثات شاقة ؟ بالطبع , لست في حاجة لآن أوضح هذا لواحد من كولومبيا, فأنت تعرف من خبرتك أن عمليات الحوار والتفاوض في أي صراع مسلح تكون بالغة الدقة , ويستحيل على رئيس دولة أن يكرس لها كل وقته . فإن كان " فوكس" جادا , فليعين مسئولا لحكومته لإجراء حوار معنا . هذا أمر غير ملح وغير عاجل . فإن المصافحة من فوكس أو من ينوب عنه ليس من بين أحلامنا الراهنة .

قلت في جامعة " كامبوس" , أنك خلال هذه العملية الطويلة , سوف تتولاها مرتديا ملابسك كجندي في الحركة المسلحة . . .هل لازال الوقت مناسب الآن لتفعل ذلك ؟


استيقظت خصيصا من أجل هذا اللقاء , والآن حان وقت الذهاب إلى النوم ( ضحك). أجرينا مناقشات مع عديد من الجماعات , أود أن أذكر أن : عددا كبيرا من الجماعات في العالم – بصرف النظر عن مدي تأثيرها – تأثرت بكلامنا . نحن نجلس على أحد المائدتين على كراسي متحركة , أذكر أنني جلست على أحدها في شبابي , مع الكونجرس والأخرى مع مجتمعات مكسيكوسيتي . لكن ما يقلقنا أن الكونجرس يعاملنا وكأننا متقدمون بطلبات عليه أن ينظرها , ويطالبنا بالانتظار لأنه مشغول بموضوعات أخرى . إذا كان الأمر على هذا النحو , فإنه لن يسفر إلا عن أضرار كثيرة , لأن مجرد الاعتراف بحقوق السكان الأصليين لي يحل القضية الآن . هذا الأمر سيصيب كثير من الناس بالصدمة . إن الناس لن تقبل أن يقتصر دورها على المشاركة في يوم الانتخابات فقط . إلى جانب ذلك , فإن مثل هذه المفاوضات تحمل إشارة للجماعات السياسية- العسكرية الراديكالية الأخرى , التي تنمو تحت شعار يدعى أن أي تفاوض سياسي هو شكل من أشكال الاستسلام .

في أثناء كلامك , قلت " عندما كنت في شبابي" كم تبلغ من العمر ؟

عمري 518 . .. ( ضحك)

هل تستهدف في الحوار إيجاد آليات جديدة للمشاركة الشعبية في صناعة القرار , أم أنك تدعم القرارات الحكومية التي تعتبرها ضرورية وهامة للبلاد ؟


الحوار يعني ببساطة قواعد متفق عليها للجدل فيما بيننا للانتقال إلى أرضية ووضعية أخرى . القضية , هي الأسلوب والطريقة التي ستتبع في إدارة الحوار . هناك أمر لا بد أن يدركه " فوكس" أننا لن نصبح " فوكسيين" في هذه المحادثات . أن ما نريده من المفاوضات لن يتحقق إلا بالتعامل معنا باحترام منذ البداية , لذلك , لا أنا ولا أي شخص أخر سيتراجع أو يتخلى عن أدواته العسكرية مرة أخرى . أن التحدي الذي يواجهنا , ليس فقط ترتيب مائدة المفاوضات , بل أيضا اختيار من يشارك معنا في الحوار . نحن في حاجة لاختيار متحدث رسمي , وليس مجرد مستشارين إعلاميين لترويج صورة مزيفة معدة سلفا. أنه أمر ليس بالسهل . كانت الحرب أسهل . وإن كانت معالجتها ممكنه. ففي السياسة , يمكن التوصل إلى علاج في أغلب الأحيان .

ملابسك غريبة إلى حد ما : وشاح معقود على الرقبة وقبعة مائلة على الجانب. كما تحمل كشاف صغير , رغم أنك لا تحتاج إليه هنا , ولديك وسائل اتصال بالغة التعقيد , وترتدي ساعة في كل يد . هل هي رموز ؟ ماذا يعني كل ذلك ؟

البطارية لاستخدامها عند انقطاع الكهرباء , وجهاز اللاسلكي في تصور المستشارين للإجابة على أسئلة الصحفيين . الأكثر أهمية , هذا " الوكي- توكي" ( جهاز اتصال اللاسلكي) يسمح لي بالاتصال مع الأمن ومع رفاقي في الأدغال في حالة وجود أية مشكلة . فأنا أتلقى العديد من التهديدات بالموت . أما الكوفية , كانت حمراء حينما كانت جديدة منذ سبع سنوات . والكاب حصلت عليه حينما وصلت إلى أدغال " لاكاندون" منذ 18 عام . حينما وصلت إلى هذه الأدغال لم يكن معي سوى ساعة واحدة , وحصلت على الثانية حينما بدأ وقف إطلاق النار . فتزامنت الساعة الأولى مع بداية حرب الزاباتيستا , والثانية مع انتهاء الزاباتيستا كجيش مسلح ودخولها مرحلة جديدة .

كيف ترى المغاوير الكولومبيين , والصراع المسلح في كولومبيا ؟

من هنا , لا أعرف عنها سوى القليل . مجرد ما تنقله لنا وسائل الإعلام : الحوار الدائر وعملية المفاوضات الجارية , والصعوبات التي تكتنفها . عند هذا الحد , يمكنني أن أقول , أنه شكل من أشكال الحوار التقليدي- ولا يحمل أي تجديد أو ابتكار .فكلا الجانبان يجلسان معا للتفاوض وفي الوقت نفسه تسعى قواتهما المسلحة لكسب عسكري للحصول على ميزة تفاوضية . أو العكس , فنحن لا نعرف ما يدور في ذهن أي من الطرفين . فقد تكون المفاوضات نفسها فرصة لمواجهات عسكرية . نحن لا نولى أي اهتمام للاتهامات الخاصة بارتباطهم بتجارة المخدرات , لأنها ليست المرة الأولى التي تروج فيها مثل هذه الاتهامات التي يتضح زيفها في النهاية . نحن ندعم الكولومبيين ونساندهم بلا شك . ولا نسمح لأنفسنا بأن نحكم عليهم إذا ما كانوا صح أم خطأ , لكننا نحافظ على مسافة بعد عنهم , بالمثل كما نفعل مع كل الجماعات المسلحة في المكسيك .لأننا نعتبرها حتى الآن لم تضع أية معايير أخلاقية , وهو الأمر الضروري لتأمين انتصار الثورة . منها على سبيل المثال , استمرارها في عمليات اختطاف المدنيين . إن الاستيلاء على السلطة ليس غاية تجعل أي منظمة ثورية تفعل أي شئ من أجله . نحن لا نؤمن بأن الغاية تبرر الوسيلة . في النهاية, نحن نعتقد أن الغايات والوسائل شئ واحد .فنحن نحدد هدفنا باختيار وسائل النضال من اجله . بهذا المعنى , فنحن نولى قيمة لتعهداتنا ووعودنا , ونحترم الأمانة والصدق , فهي أمور لا بد منها . رغم ذلك , فقد ارتكبنا بعض الأخطاء الساذجة , على سبيل المثال , في أول يناير 1994 , أعلنا قبل هجوم على القوات المسلحة أننا سنشن هجوما . لكنهم لم يصدقونا . أحيانا يؤدي ذلك لنتائج مفيدة , وأحيانا لا . ولكننا نرى أننا , شأننا شأن أي منظمة, أن السلوك الذي نسلكه هو الذي يحدد هويتنا .

ألا تعتقد في إمكانية إجراء مفاوضات سلام أثناء الحرب , على نحو ما يحدث في كولومبيا ؟

أنه أمر غاية في السهولة , ومفرط في عدم المسئولية والاستهتار , بأن تقدم أراء هنا تعتمد على ما يحدث هناك أرض المعركة . عملية الحوار والتفاوض لا يمكن أن تنجح إذا أصر كل طرف على الاحتفاظ بمكاسبه . إذا استخدم أحد الأطراف المفاوضات كوسيلة لاختبار قوته , وإذا كان يمكنه هزيمة الأخر , فسوف تفشل المباحثات إن عاجلا أو آجلا. في هذه الحالة , فإن المفاوضات لا تعني سوى نقل ساحة المعركة إلى مائدة التفاوض . لكي ينجح الحوار والمفاوضات , فلا بد أن ينطلق طرفا الحوار من استحالة أن يهزم أي منهما الأخر . وأنهم في حاجة لاكتشاف سبيل لكي يخرجا منتصرين معا , أو على الأسوأ , منهزمين معا , المهم أن يضعا نهاية للمواجهة . بالطبع , هذا صعب- خاصة على الحركات التي تعمل منذ سنوات عديدة , مثل حرب العصابات في كولومبيا. أدرك أن الجانبان سيرتكبان الكثير من الحماقات والأخطاء , لكنني أعتقد أن المحاولة لم يفت وقتها .

هل تجد وقتا للقراءة في وسط كل هذه المشغوليات؟

نعم لأنه إذا لم أقرأ . . .ماذا يجب أن نفعل ؟ الأولويات لدى الجيوش , أن يستغل الجنود وقتهم في تنظيف أسلحتهم وتجهيز ذخائرهم . ولما كانت الكلمات هي أسلحتنا فلا بد أن نكون مستعدين في أي لحظة .

في كلامك , تؤكد على أهمية تعلم القراءة والكتابة . ما هي خلفيتك التعليمية ؟

منذ الطفولة , نشأت في أسرة , تولى الكلمات أهمية خاصة . كان طريقنا للعالم عبر اللغة . فتعلمنا القراءة , لم تفيدنا المدرسة كثيرا , بقدر ما أفادتنا قراءة الأعمدة في الصحف . في وقت مبكر, كانت أمي وأبي يوفرون لنا الكتب التي كشفت لنا أشياء وعوالم أخرى . وبشكل أو بأخر , أصبحنا ندرك اللغة وأهميتها – ليست مجرد وسيلة للاتصال , ولكن كشئ له معنى في ذاته . كانت تجلب لنا السعادة أكثر من أي عمل أخر . في الخلفية, وعلى خلاف المثقفين البرجوازيين , الذين لا يحترمون قيمة الكلمة . ارتبط ذلك الأمر بأمر ثانوي , وهو أن مجتمعات السكان الأصليين ترى أن اللغة ضربتنا , وكأنها منجنيق . بينما تدرك أنك تفتقر للكلمات المعبرة عن أشياء كثيرة , ونصفهما معا , ونحللها , وندرك مغزاها.

ممكن أسألك عن أسرتك ؟

أسرتي تنتمي للطبقة الوسطي . والدي تعلم في مدرسة ريفية في عهد " كارديناس", الذي كان يقول , يجب قطع أذن المعلمين لأنهم شيوعيون . أمي أيضا تعلمت في مدرسة في الريف , وانتقلت الأسرة إلى الطبقة الوسطى وأصبحت واحدة منها : ولذلك كانت لا تواجه صعوبات مالية . كل المناطق التي عاشت فيها الأسرة , كانت بها صحفا محلية تهتم صفحاتها الاجتماعية بالثقافة . كانت مكسيكوسيتي ومكتباتها هي العالم الخارجي , كان لكتبها التي تصل إلينا جاذبية خاصة . أحيانا , كانت تصدر كتبا محلية جميلة , كان الحصول عليها أمرا شيقا . قدم لنا الأبوان كتب " جارسيا ماركيز" , و " كارلوس فونتيس" و "مونسفياس" , و" فارجاس ليوسا" ( مع الإحترام لأفكاره ) . لا أذكر سوى القليل مما قرأته لهم . قرأنا " مائة عام من العزلة " , التي تحدثت عما كان يحدث في الريف آنذاك . و"موت أرتيموكروز" التي تتحدث عما حدث في الثورة المكسيكية . ورواية " ديازدي جاردر" عن ما يحدث في الطبقة الوسطى . وغيرهم , كانت روايات تصور شخصياتنا وحياتنا . كل هذه الكتب كانت متوفرة لدينا . نقلت لنا العالم , والثقافة . أعتقد أنها أثرت فينا بشدة . لم نكن نرى العالم من خلال أخبار الصحف , بل من خلال الرواية , والمقال , والشعر . وهو الأمر الذي جعلنا مختلفين إلى حد كبير . كان ذلك بفضل والداي , اللذان أرادا لنا أن نرى العالم من خلال الكتب , بينما كان الآخرون يفضلوا معرفة العالم من خلال وسائل الإعلام ,أو بالأصح من خلال التعتيم الإعلامي الذي لا يتيح لك رؤية ما يحدث .

أين موقع " دون كيشوت" من كل هذه القراءات ؟

حصلت على " دون كيشوت" في طبعة جميلة , وعمري حوالي12 عاما . كنت قد قرأته قبل ذلك . ولكن في طبعة مخصصة للأطفال . كان كتابا مرتفع السعر . بعد ذلك قرأت شكسبير . لكن الأدب الأمريكي اللاتيني كان يأتي في المقام الأول . وبعدهما " جارسيا لوركا". ثم الشعر على أية حال , هل هناك أهمية للخوض في الحديث عن كل ذلك .

هل ورد الوجوديون وسارتر في قراءاتك ؟

لا كل هذا حصلنا عليه مؤخرا , بعد أن أفسدنا الزمان , على حد قول العقائديين , حصلنا على الأدب الوجودي , وقبلها , على الأدب الثوري. حتى عندما قرأنا " ماركس " و " إنجلز" كنا مأسورين تماما بأسلوبهم الأدبي , وما يتميز به من سخرية وروح الدعابة .

هل قرأت أي نظرية سياسية ؟

لا منذ البداية , انتقلت مباشرة من تعلم الأبجدية إلى قراءة الأدب , ومنها إلى كتب النظرية والسياسة , حتى وصلت إلى المدرسة الثانوية .

هل كان رفاقك أو لازالوا يعتقدون أنك شيوعي ؟

لا , لا اعتقد ذلك . قد يعتبرني معظمهم مثل الفجلة الصغيرة : أحمر من الخارج , وأبيض من الداخل .

ماذا تقرأ الآن ؟

دائما " دون كيشوت " بجانبي , كما أحمل " أشعار لوركا " , لا تفارقني . " دون كيشوت" أفضل كتاب في النظرية السياسية , تأتي بعد ذلك مسرحيتي شكسبير , " هملت" , و" ماكبث". ليس هناك وسيلة لفهم النظام السياسي المكسيكي . سواء في مأساويته أو كوميديته , أفضل من أية أعمدة سياسية تنشرها الصحف .

هل تكتب بيديك أم تستخدم الكمبيوتر؟

أكتب على الكمبيوتر , إلا في هذه المسيرة , حيث أضطر كثيرا للكتابة بيدي , لا أجد الوقت الكافي للكتابة , مجرد كتابة مسودات أولية , مجرد أوامر سخيفة , لكنني أكاد أنتهي من روايتي التي بدأتها منذ زمن .

ما هو الكتاب الذي كتبته ؟

أسعى لاستخلاص فكرة حمقاء , تحاول أن تكشفنا أمام أنفسنا من وجهة نظرنا – هي فكرة مستحيلة واقعيا . التناقص الذي نحن عليه . لماذا نحن جيش ثوري مسلح لا يستهدف الاستيلاء على السلطة ؟ ولماذا لا تحارب قواتنا , رغم أن تلك هي وظيفتها ؟ نحن نواجه كل هذه المتناقضات , وأهمها : الطريقة التي تطورنا بها حتى أصبحنا قوة في المجتمع , ومع ذلك , لا زلنا حتى الآن ننطلق من ثقافة محلية راسخة .

إذا أدرك كل إنسان نفسه على حقيقتها , فلماذا تكون الأقنعة ؟

أنه درب أقرب إلى العبث , فهم لا يعرفون من أنا , لكنه شأن لا يتعلق بهم بأي شكل . الخازوق , أن " ماركوس" ليس هو " ماركوس " .

شاركها!:

لا يوجد تعليقات على " حوار مع القائد الادنى ماركوس '' هم لا يعرفون من أنا، لكنه شأن لا يتعلق بهم بأي شكل" "

  • لإضافة تعبيرات إظهار التعبيرات
  • لاضافة كود [pre]ضع الكود هنا[/pre]
  • لاضافة صورة [img]ضع رابط الصورة هنا[/img]
  • لاضافة فيديو فقط ضع الرابط داخل التعليق مثال: http://www.youtube.com/watch?v=0x_gnfpL3RM