آخر المشاركات

Menu
Previous
Next

اخر المشاركات

أخبار وطنية

عين على الفايس بوك

>

صوت و صورة

بالدارجة المغربية

مقالات رأي

آخر التعليقات

ساكنة حي الرحمة تخرج للاحتجاج ضد انعدام الامن الاحد 24 يوليوز 2016

الجمعة، 22 يوليو 2016 / لا يوجد تعليقات

عممت تنسيقية ساكنة حي الرحمة بلاغا دعت فيه كل السلاويين والسلاويات وساكنة حي الرحمة على وجه الخصوص الى الخروج يوم الاحد 24 يوليوز على الساعة السابعة والنصف مساء أمام مسجد الرحمة بحي الرحمة  بسلا للاحتجاج على ظاهرة الانفلات الامني الكبير الذي تعيشه أحياء المدينة وفي مايلي نص البلاغ: 
بلاغ
وقفة يوم الاحد 24 يوليوز على الساعة السابعة والنصف مساء
أمام مسجد الرحمة بحي الرحمة بمدينة سلا، بخصوص الاحتجاج على الإنفلات الأمني بالمدينة

عرفت مدينة سلا في الأونة الاخيرة تطورا مهولا في نسب الجريمة لأسباب متعددة إجتماعية منها وإقتصادية، وبالرغم من التطمينات التي تحاول إدارة الأمن تسويقها للمواطنين إلا أن نسبة الجريمة المشاهدة يوميا تجعل إحساس المواطنين بالفراغ الأمني قويا.
سرقة تحت التهديد بالسلاح، عصابات منتشرة ومتحركة بشكل جماعي بدون حسيب أو رقيب، جرائم عنف جنسي، إنتشار القرقوبي بشكل فاضح كلها مشاهد ملاحظة وبشكل يومي.
ولعل جريمة بتر يد مواطن حاول التدخل لإنقاذ سيدة من الإعتداء تعطي مؤشرات واضحة على أن هاته الظاهرة استفحلت بشكل مهول.
إن ساكنة حي الرحمة بسلا وعبرها كل الاحياء بالمدينة، لمتذمرة من الغياب المهول للأمن مما ينتج عنه إحساس كبير بغياب الامان، إن المواطنين يتعرضون للسرقة في واضح النهار وبالرغم من والتشكيات فإن إدارة الأمن تواصل تجاهلها لمطالب المواطنين والمواطنات وحقهم في أحياء خالية من الجريمة وفي حق حماية أبناءهم من جميع الظواهر السلبية التي يعرفها المجتمع.
إننا إذ نندد بالغياب الصارخ للأمن فإننا ندعوا إلى وقفة احتجاجية سلمية يوم الاحد 24 يوليوز 2016 على الساعة السابعة والنصف مساء أمام مسجد الرحمة بحي الرحمة.
-ندعو السلطات إلى التفاعل بشكل إيجابي مع شكايات المواطنين والعمل على الحد من الجريمة وانتشار العصابات.
-نطالب ب:
-ترقية مدينة سلا من مستوى منطقة أمنية الى ولاية أمنية وتوفير الامكانية المادية واللوجستيكية لذلك
-إعادة العمل بشرطة القرب وجعلها في خدمة المواطنين وفي احترام تام لحقوق الانسان
-لمراجعة الجذرية للمعايير وللوائح المستفيدين من مسطرة العفو.
-تشديد العقوبات السجنية في جرائم الحق العام المتسببة في عاهات مستديمة-
--تعويض المتضررين من ضحايا العنف الاجرامي باعتبار ان الدولة هي المسؤولة رقم واحد عن توفير الامن
-تخصيص خلية خاصة ومكونة من أجل الإستماع إلى ومتابعة،ضحايا الكريساج نهارا
-تخصيص شرطة دراجين خاصة بالولوج وتفقد الأزقة،24 ساعة على 24،،حيث ينشط الكريساج،وليس تجولها في الشوارع الرئيسية
لإحالة الفورية،لكل التصريحات،لضحايا الكريساج،على وكيل الملك...وعدم تجميدها بمكاتب أمن سلا-.
لذا ندعو جميع المواطنين والمواطنات بمدينة سلا وساكنة حي الرحمة بالخصوص و جميع الفعاليات والهيئات المدنية والسياسية والجمعيات الحقوقية والاعلامية للحضور بكتافة والمشاركة في الوقفة المزمع تنظيمها يوم الاحد 24 يوليوز2016.

سيرغي نيتشاييف أو عندما تصبح السياسة أرهابا، جذور الميكيافيلية في بعض الممارسات الثورية

السبت، 21 مايو 2016 / لا يوجد تعليقات


"لا تنظر الى مايفعله الشخص، بل الى ما يصبو اليه"
فيودور ديستيوفكسي -روائي وأديب روسي

في 20 غشت من سنة 1940 قرر رامون ميركادير فتح رسالة ستالين في حضور تروتسكي، هذا العميل الستاليني الذي استطاع ان يخدع تروتسكي ويتسلل الى قلعته المحصنة، قرر أخيرا أنه حان الوقت ليعلم تروتسكي بفحوى الرسالة المرسلة له من معلم الطبقة العاملة العالمية، أخرج فأسه وانهال على رأس الرجل الثاني في الثورة الروسية، توفي تروتسكي بعد 25 ساعة متأثرا بجراحه في منفاه بالمكسيك، وحكم على رامون ب20 سنة سجنا وتم أطلاق سراح المرأة(سيلفيا أغيلوف)  التي كانت معه بعدما تبين للقاضي أنها لم تكن تعلم بنوايا صديقها المكلف بمهمة.  في سنة 1960 غادر رامون السجن الى التشيك وتم منحه وسام : بطل الاتحاد السوفياتي، ولكن قبل ذلك الوقت بكثير وفي سنة 1937 كان قدر صدر حكم غيابي بالاعدام في الاتحاد السوفياتي ضد تروتسكي بتهمة الخيانة العظمى، كانت المحاكمة سياسية و كان الحكم معدا مسبقا كما هو الشان بالنسبة لكل المحاكمات السياسية.
زينوفييف وكامينيف وبوخارين كلهم عرفوا نفس النهاية المأساوية ولكن بشكل مخزي وأمام كاميرات العالم  اعترفوا أنهم كانوا يريدون تخريب الاتحاد السوفياتي وخدمة الرأسمالية العالمية. عبر عقود من العمل السري المضني والمنفى السيبيري وأمراض وعذابات لا توصف وعندما قامت أخيرا الفكرة-الحلم- التي كانوا ينتظرونها وعملوا بكد من أجلها، هاهم اليوم يسعون الى تقويضها، مؤرخون عديدون كانوا يطرحون نفس السؤال، مالذي جعل هؤلاء البلاشفة المقتنعين حتى الموت بفكرتهم يعترفون على أنفسهم هاته الاعترافات القاتلة؟  سنتجاوز هذا السؤال ونتحاشى الاجابة، نعرف ان التهمة في العمق هي : معارضة ستالين.
بعد أن تخلص ستالين من معارضيه استطاع أخيرا أن يفرض سطوته على المكتب السياسي واللجنة المركزية والحزب والطبقة العاملة، لم تعمل الستالينية الا على تعزيز سلطة الدولة وتضخيم عضلاتها. نستطيع اليوم أن نفهم مضمون النقد الذي وجهه باكونين الى مفهوم الدولة، ذات التصور الذي سيشكل القطيعة مع ماركس فيما بعد :
"الدولة تفرض، تحت اسم الواجب الأعلى، الظلم والقسوة على كل الخاضعين لها. إنها تحد وتبتر وتقتل الانسان فيهم، بحيث عندما تتوقف كينونتهم الانسانية لن يكونوا إلا مجرد مواطنين"
لكن من أين تنبع الستالينية؟ من أين أتت فكرة المحاكمات السياسية الثورية؟ (من أجل خير القضية)
كل شيئ في سبيل الفكرة الاسمى، الثورة، التغيير، لان الغايات نبيلة لن تعدمنا الوسائل، بما فيه التضحية بانفسنا وحتى التضحية بالاخرين. من أين أتت هاته الفلسفات المعتمدة ضمنا وصراحة على ممارسات ميكيافيلية، انها تنبع من العدمية.
سيرغي نيتشاييف
في صبيحة اليوم 21 نونبر من سنة 1869 تم استدراج الطالب في جامعة سان بطرسبرغ -ايفان- بحجة تسليمه بعض المطبوعات الثورية، أخذ الى مغارة قرب الحديقة الزراعية خارج بطرسبرغ وهناك تم النطق بالحكم بالموت في حقه بتهمة الخيانة، تلى الحكم سيرغي نيتشاييف قال نيتشاييف أن اللجنة المركزية هي من اتخذت القرار، يلاحظ الاكاديمي السوفياتي يوري دافيدوف الذي يكتب روايات وثائقية تعتمد على سجلات الشرطة ومقارنة الوقائع، انه ما من لجنة مركزية اطلاقا، وانه لو وجدت حقا فسيكون عضو واحد فيها هو سيرغي نيتشاييف أو على الاقل سيشكل ثلاث أرباع هاته اللجنة، كان التنظيم سريا للغاية.
شارك في العملية بالاضافة الى سيرغي كل من كوزنيتسوف ونيكولاييف وبريزوف الأعضاء في ''مذبحة الشعب'' ولان الطالب ايفان حاول المقاومة فقد سددوا ضربة قوية الى رأسه  وبعدها أخذ نيتشاييف مسدس نيكولاييف وأطلق رصاصة قاتلة الى رأس الطالب ايفان.
بعد أربعة أيام سيجد الفلاح كالوجين الجثة ملفوفة بمعطف بعد أن كان الدم الاحمر قد تسلل الى الخارج، كانت الجثة مغمورة في الثلج على بعد نصف متر، كان المنفذون للعملية يأملون باخفاء جريمتهم حتى الربيع القادم. بحضور قائد الدرك وبعد ان جرى التعرف على جثة ايفان المعروف لدى السلطات كثوري سري، جرت محاولات حثيثة لمعرفة القاتل. قادت الوثائق المنسية في المعطف الملفوف على الضحية والذي يعود الى أحد المشاركين في التنفيذ الى القتلة، ألقي القبض على كوزنيتسوف وبريزوف وفي فبراير من سنة 1870 ألقي القبض على نيكولاييف أيضا، أما سيرغي نيتشاييف فقد غادر سرا الى سويسرا حيث واصل عمله وسط الدوائر الطلابية هناك قبل أن يعتقل من طرف السلطات السويسرية سنة 1872  التي ستسلمه بدورها الى البوليس القيصري، جرت محاكمة سريعة وفي سنة 1873 حكم على سيرغي بالسجن 20 سنة مع الاشغال الشاقة وقيل أن القيصر ألكسندر الثاني هو من أملى القرار مباشرة على المحكمة، كان لسيرغي تأثير خطير على كل من حوله، كانت شخصيته جذابة وكاريزمية كما كان لعينيه الخضراوين وقع السحر على كل الذين عرفوه، بعد سنة على اعتقاله قال له الحارس المكلف بحراسته أن مستعد للدخول مكانه وتسهيل هروبه من الزنزانة لكنه رفض.
كانت التهمة الموجهة الى الطالب ايفان هي التعاون مع البوليس القيصري والاشتغال كجاسوس، وهي التهمة التي يخبرنا التاريخ انها كانت كاذبة وغير صحيحة اطلاقا، كان ايفان قد عارض توزيع المنشورات السرية في اكاديمية بطرس بعد ان حان موعد الاضطرابات الطلابية في جامعة موسكو، كان ايفان قد استشعر الخطر بعد أن علم أن سلطات القيصر تراقبه عن كثب، كان قرار التوزيع معدا من طرف نيتشاييف ومعارضته تعني معارضة القائد ومعارضة التنظيم وتقويض سلطته وتقويض الفكرة الاسمى... التغيير.
كان سيرغي قد تعاون فيما سبق مع ميخائيل باكونين الفوضوي والعضو البارز في الاممية الاولى التي أسسها ماركس وانجلز، سيرغي ذاته كان عضوا في الاممية الاولى قبل أن يجري طرده والتنديد به كمحتال وكاذب من طرف ماركس، كان سيرغي غير موثوقا به في الدوائر العليا المعروفة، وعمل على استغلال اسم باكونين في روسيا لمدة طويلة من الزمن، حيث كان يجمع الاموال من أجل (القضية) بدون تبرير كيفية صرفها، صاغ وبمساعدة باكونين مايسمى بالكاتيشيسم الثوري وهي مجموعة أفكار تشبه تعاليم الفكر الديني المسيحي الابوي أكثر مما تشبه مجموعة مبادئ، كانوا يرسمون ملامح شخصية الثوري الذي يكرس نفسه من أجل القضية والذي يمنع نفسه من التمتع بملذات الحياة، فيما بعد سيجري التنديد بسيرغي من طرف باكونين بعد ان اكتشف ان هذا الاخير ان سيرغي يفتح مراسلاته ويتجسس عليه.  بعد ذلك عاش سيرغي حياته في روسيا كثوري على طريقة البطل في رواية تشيرنشيفكي مالعمل؟ كان ينام على أريكة بالية في المنازل الخاصة بالطلاب كما كان يكتفي بشظف العيش برغم انه كان أستاذا.
لقد كان سيرغي يطمح الى القيام بثورة اجتماعية اشتراكية تهز كل أركان روسيا، كان ينظر بعين العطف الى وضعية الفلاحين الفقراء المزرية ، وكان يعتقد أنه لكي نكون مناصرين أشداء للقضية يجب أن نكون منضبطين متراصين وأن نتبث ولاءنا باستمرار لفكرة الثورة، كانت كراسته حول الكاتيشيسم الثوري مستوحاة من أطروحات اليعاقبة في الثورة الفرنسية الذي يعد  سان جيست و روبيسبيير -الغير قابل للافساد- أحد أبرز وجوهها، وعشية التيرميدور والثورة المضادة وأعدام روبيسبيير كان هذا الاخير قد قاد كل رفاقه الثوريين الى المقصلة، دانتون و الصحفي البارز كاميل دومولان، بريسو، فيرنيو، هبيبر جاك روني وأخرون كانوا مدافعين أشداء على الجمهورية الوليدة ولسبب ما عرفوا نهاية مأساوية على شفا-السيدة مقصلة- وجرى التنديد بهم فيما بعد في اللجان والمجلس الوطني العام كخونة وكاسعين بشكل حثيث الى عودة النظام الملكي في فرنسا.
فيما بعد سيطور لينين مفهوم الاخلاص الى القضية بأطروحة المناضل الثوري المحترف، انه ذاته الذي تحدث عنه سيرغي في كراسته الجزويتية لكن بمواصفات أخرى، أنه - اليعقوبي الذي انضم الى منظمة البروليتاريا التي أصبحت واعية بمصالحها الطبقية- كان لينين وعلى عكس بعض رفاقه في الحزب يعتقد انه يجب على حزب الطبقة العاملة أن يكون منظمة للمحترفين الثوريين، ودخل في سجالات لا تنتهي مع روزا لوكسمبورغ بليخانوف، مارتوف وأخيرا كاوتسكي.
أبرز الانتقادات الموجهة الى أطروحة لينين هو أن مفهومه للحزب سيكتسي طابعا تأمريا بلانكيا، لكن لينين ذاته يعرف الفرق بينه وبين أطروحة أوغيست بلانكي هذا الثوري الفرنسي الذي عبر على أن الجماهير الغير متعلمة والمحتقرة لا يمكن أن تقوم بالتغيير، وان الثورة تحتاج الى مجموعة من الرجال المتعلمين الذين يعملون في السر من أجل تقويض النظام واستبداله بنظام أخر عادل. كان  لينين يعرف أن العمل البعيد عن الجماهير يضعف الجماهير ولا يقويها، انها تفقد الثقة في نفسها كقائدة للتغيير القادم.
لكن اطروحة لينين في النهاية تمهد الطريق فقط للمحترفين الثوريين للوصول الى زعامة حزب-الطبقة العاملة- و بالتالي الوصول الى السلطة، وحزب الطبقة العاملة لا يمكنه أن يحل محل الطبقة ذاتها، بالرغم من أنه الاكثر تعبيرا عن مصالحها، وفي مخاض الثورة الروسية دعا البلاشفة بحماس الى اللجنة التأسيسية وعندما لم يحوزوا على الاغلبية داخلها على عكس الاشتراكيين الثوريين والمناشفة، دعوا الى الى حلها واستبدالها بالسوفياتات-مجالس العمال والجنود، تصدى لهاته المهمة نظريا فلايديمير لينين و ممارسة ليون تروتسكي، لقد تخلى البلاشفة عن ممارستهم الديمقراطية منذ الان وهاهم يسعون الان الى الاستيلاء على السلطة، لقد كان طرح مسألة اللجنة التأسيسية جانبا نوعا من النفعية في ادارة السياسة، لكنه سيقود فيما بعد الى مأأزق في كل روسيا، بعد ذلك وعندما سيضع الحزب يده على كل المناطق الهامة في السلطة والدولة، سيبدأ الحزب في منع جرائد المعارضة والاحزاب السياسية، سيصبح الحزب الاشتراكي الديمقراطي الروسي هو الحزب الوحيد الشرعي في البلاد، وستتحول المعارضة التي كانت يجب أن تأتي للحزب من خارجه، لتتحول الى معارضة من داخله، جسد هاته المعارضة فيما بعد وفاة لينين كل من زينوفييف وكامينيف وبوخارين في اليمين، و ليون تروتسكي وأصدقاءه في اليسار، بينما ضل التوجه الاكبر مع ستالين الذي بدا وسطيا وظهر منذ الان كرجل دولة وسياسي محنك على عكس رفاقه اليمينيين المتسامحين مع الكولاك، او أصدقاءه في اليسار الداعين الى تصدير الثورة، يوسف ستالين الذي تدرج في الحزب والذي يعرف كل خباياه التنظيمية ويعرف (قيمة كل رجل) استطاع بوسائله الميكيافيلية أن يتحالف مع اليمين حتى يتم اقصاء تروتسكي مرحليا قبل طرده من اللجنة المركزية والحزب والاتحاد السوفياتي بأكمله، وفيما بعد وعندما سيصبح الوضع متاحا أمام ستالين سيطرد الاخرين كذلك وسيوقفهم أمام المحكمة بتهمة محاولة تخريب الاتحاد السوفياتي، النائب العام للاتحاد سيطالب بأقصى عقوبة في حق المدانين وسيصرح على انه (يجب أطلاق النار على هاته الكلاب السائبة) . كل الجيل القديم من البلاشفة القدامى الذين عرفوا لينين في المنفى وفتحت في وجوههم السجون القيصرية والمنافي السيبيرية وعرفوا مساوئ النضال السري وأفنوا زهرة حياتهم في خدمة الحزب، سيقفون أخيرا أمام محكمة الشعب بتهمة التأمر على الاتحاد و وتهمتهم الحقيقية هي معارضة ستالين. يستطيع القارئ الان يربط بين المحاكمة الي جرت للطالب ايفانوف البرئ من التجسس لصالح البوليس القيصري وبين المحاكمات الي جرت للثوريين الفرنسيين المتهمين بمحاولة اعادة النظام الملكي في فرنسا وبين محاكمات ستالين لرفاقه في الحزب. كل الذين أوقفوا رفاقهم أمام المقصلة أو الرصاصة او الموت كانوا يعتقدون أن موت رفاقهم يخدم القضية، وهم يفضلون التضحية بالاخرين على التضحية بالقضية.
الارهاب الفردي
لطالما وجهت الى الماركسيين تهم الارهاب من طرف خصومهم الليبراليين عندما تهدد الطبقة العاملة بحق الاضراب العام او عندما يقوم عامل بقتل صاحب معمل أو مسؤول كبير في ورشة ما، لكن الماركسيين أنفسهم كانوا ضد الارهاب الفردي، فالارهاب وطرق التغيير الفوقية والمؤامراتية لا يمكن أن تأتي بالتغيير، اغتيال مسؤول مصنع لا يمكن أن يغير سياسة المصنع واغتيال شرطي لا يمكن أن يقوض سلطة الدولة، اغتيال القيصر ذاته في روسيا لم يغير شيئا، أخ لينين الاكبر ألقى قنبلة في وجه القيصر وتم أعدامه فيما بعد، لينين ذاته فهم من نظرات أخيه ألكسندر عندما زاره في السجن رفقة والدته، أن هاته الطرق المؤامراتيه مهما تكن دوافعها فهي لا يمكن أن تغير شيئا، لذا انطلق لينين في العمل الجماهيري والثثقيفي الواسع للطبقة العاملة وهي الجهود التي كللت أخيرا بالنجاح.
يوم الثلاثاء 17 ماي 2016 حاكم طلبة مغاربة محسوبون على اليسار اللينيني عاملة مقصف بتهمة التجسس لصالح فصيل أخر أو لصالح الشرطة وبتهمة تسهيل الذعارة، وفي ظروف تشبه تلك التي مر بها الطالب ايفان، تم سحب هاته العاملة من شعرها وصولا الى الحلقية، تمت محاكمتها وفق أعراف الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، في محاكمة صورية تشبه تلك التي تنظم في الانظمة البئيسة واللاديمقراطية، حيث تم منع هاته العاملة من الدفاع عن نفسها أو توكيل من يدافع عنها، ووفق شهادات من قلب الحدث فقد تم تقديم سبع ملتمسات من أصل مئات الطلبة الذين وقفوا في المحاكمة، واستقر الحكم في النهاية على حلق شعر رأسها وحواجبها، وفي طقوس قروسطوية باهتة وعنيفة ولاانسانية تم اجبار هاته العاملة المدانة على الخروج مطأطأة الرأس من الجامعة، قبل أن تبدأ الشرطة حملتها من أجل القاء القبض على المذنبين كان سجال كبير قد انطلق وسط الماركسيين أنفسهم بين مبرر لما حدث وبين رافض ومستنكر،  وفي ظروف كهاته وحين تبدأ حمى الاعتقالات سيبدأ المذنبون ذاتهم ومن يدافع عنهم في التباكي وصنع التبريرات، سيتم التنديد بكل المتعاطفين مع العاملة وسيجري التشهير بهم كخونة وبوليس وعملاء النظام، كيف لا والمذنبون مخلصون في قضيتهم وفي ولاءهم لخدمة جماهير الطلبة وخدمة الطبقة العاملة والتمسك الاعمى بالماركسية اللينينية.
ولكن هل هاته المحاكمات مهما كانت تبريراتها تخدم القضية ؟ ومثلما حدث مع جريمة سيرغي نيتشاييف حيث سيعتقل البوليس القيصري 87 شخصا ويتم تفتيت التنظيم السري و رمي المعتقلين في المنفى والسجون، سيجري اعتقال 4 طلبة من الذين شاركوا في المحاكمة، وسيختفي أصدقاءهم الاخرون. وعبثا سيحاول البعض اضفاء طابع الاعتقال السياسي على هؤلاء.
في سنة 1856 ندد ماركس بسيرغي نيتشاييف وفي رسالة الى أحد أصدقاءه بان سيرغي يحاول تقديم نفسه كمعتقل ومنفي وان الامر على عكس ذلك. كان ماركس يفهم صلب قناعات نيتشاييف وأنه كان مجرد متعصب أعمى بالرغم من أنه يقدم نفسه للعالم كنصير للفقراء. كان سيرغي نصيرا للارهاب السياسي.
من أين استقى هؤلاء الطلبة أساليب المحاكمات الجماهيرية؟ ان لم يكن من الستالينية. ان مبدأ الغاية تبرر الوسيلة سيضيع الغايات والوسائل. ان الماركسيين ضد الارهاب الفردي مهما تقنع بمبدأ الجماهيرية. ان الارهاب يشكل بحد ذاته خطرا داهما علينا ويجب التنديد به، ان الغايات والوسائل يجب أن تكون نبيلة. وان أساليب التغيير عن طريق المحاكمات والارهاب مهما كانت تبريراتها فهي واهية ولا تصنع التغيير بقدر ماتعطي للسلطة تبريرا للهجوم على تجربة بكاملها. ان على هؤلاء السادة التنديد بهاته الممارسات فلقد كان الماركسيون المغاربة كما هم دائما متحمسين بالغين للحوار بالاساليب النظيفة. ان هؤلاء الطلبة الماركسيين من الذين دعوا أو شاركوا في المحاكمات هم شباب مخلص ومتقود لكن بهاته الممارسات يسيئ الى القضية.
ياسين المرزوكي    



   


        



  

شهادة من قلب الحدث . هكذا حلقوا شعر الفتاة وحواجبها بمكناس

الخميس، 19 مايو 2016 / لا يوجد تعليقات
منقول عبر الشبكة العالمية فايسبوك
=========== 



  لأول مرة تحط قدمي جامعة مولاي اسماعيل بمكناس دخلت الباب أتمعن الطلبة والساحة وصور الشهداء وأراجع عبرهم صفحات التاريخ بفخر، غير ان التاريخ انقلب في لحظة بدأ فيها الفر والكر والكل في اتجاه فتاة تحت قبضة ((رفييق)) وليكن المصطلح أفضل كان الرفيق "يجرجرها" من شعرها، في حين الرفاق الاخرين يصفعون ويرفسون من جميع الجهات الى أن أوصلوها الى الحلقية معلنين عن محاكمة جماهيرية أسبابها على ما قيل أن الفتاة جسوسة لصالح الحركة الثقافية الأمازيغية وهذا ((تأكدوا)) منه بعد مراقبتها لمدة 15 يوم وأخذ هاتفها بالزور لقرائة الرسائل مع حبيبها المنتمي للحركة الثقافية حيث وجدوا على الهاتف فيديوهات الأمسية التي نظمت مؤخرا من طرف البرنامج المرحلي وأسماء الرفاق إضافة على أنها تشتغل بالدعارة وترسل صور البنات الى زبائنها...وبينما كان الرفيق المسير يحكي عن أسباب المحاكمة كان الرفاق الاخرون يصفعونها على وجهها كل ما حاولت التفوه بكلمة أو حاولت ازاحة الثوب المربوط على عينيها الى أن فقدت وعيها وتركت ممدة على الأرض وبدون ذرة انسانية عفصت على وجهها ((رفيقة ثورية تناضل من أجل الكداح العمال والفلاحين)) وتكرر جملة طوال الحلقية "ماكاينش العاطفة مع هاد الاشكال" وبدأت الملتمسات كانت تسعة من بين مئات الطلبة أجمعوا وكأن الاتفاق كان من قبل، على حلق شعر وحواجب الفتاة كانت قد بدأت هي بالتحرك فحملوها وربطوها على الكرسي... وبعد معانات اعطوها الكلمة اختلط حديثها برعشة الخوف والبكاء والعياء من كثرة الضرب تعيد جملة واحدة لا غير "الطلبة كيكذبوا عليكم مكاينش من هادشي اللي كايقولو المشكل كان بيني وبين الرفيقة ديالهم" بعدها جاؤو بذاك الهاتف الملعون وتحت صفعات الجميع ادخلت شيفرة الهاتف الا ان الصدمة كانت كبيرة الهاتف فارغ من كل الاتهامات الموجهة لها فبعثوه مع بعض متعاطفيهم الى المكتبة من أجل استرجاع الفيديوهات والرسائل الممسوحة... فطلبت مرة أخرى الكلمة من المسير مع بعض الصفعات طبعا لأن الكلام ممنوع، اعترفت بعدها بخدمتها في الدعارة وتصوير الأمسية لكن كان التصوير بموافقة الرفيقة (اللي كان معاها المشكل) الا أنها مازالت تنفي أنها بعثت للحركة الثقافية أي معلومات تخص الرفاق ولما كان الهاتف لم يعد بعد، أي الدليل الذي ستقوم عليه محاكمتها تم أخذها خارج الحلقية وتطبيق الحكم إضافة الى 30 صفعة وأعدوها الى الحلقية تردد " هأنا قرعتولي الطلبة ومن بعد واش هاذا هو مستوى الطلبة؟؟" وبعدها جااء الفيديو الذي اعترفت قبل انها قامت بالتصوير بموافقة الرفيقة.... وانسحبت أنا خوفا وضعفا فلعنت نفسي وخجلت من دماء الشهداء ولعنت التاريخ على هكذا تشوه. témoignage d'une militante qui a assisté 

الى سمو الاميرة .. لا تتعاطوا مع حقوق الطفل بانتقائية

الأربعاء، 18 مايو 2016 / لا يوجد تعليقات
الى سمو الاميرة مريم :
استفقت هذا الصباح على خبر تأجيل التصويت على قانون تشغيل القاصرات وذلك بسبب الرسالة التي توصل بها مكتب مجلس النواب من المرصد الوطني لحقوق الطفل الذي تترأسه ''سموكم'' ، وطبعا لا يفوتنا التذكير على أن مكتب مجلس النواب ضرب صفحا عن كل المراسلات التنديدية التي وصلته من منظمات حقوقية تعتبر أن نص القانون على منع تشغيل القاصرات وحدده بين سن16 و18 هو جريمة بحق الطفولة المغربية، على اعتبار أن القانون يجب ان يمنع الاطفال الذين لم يبلغو سن 18 سنة كاملة من الاشتغال. سواء نالوا موافقة أولياء أمورهم أو غير ذلك.
سيدتي:
لاينبغي أن نذكر ''سموكم" أن رد هذا القانون الى نقطة الصفر والتفاعل مع مرصدكم المعني بحقوق الطفل دون غيره من المنظمات المعنية بالطفولة وحقوق الانسان، يأتي لان سموكم تنتمي الى العائلة الملكية، ان مراسلتكم التي يعتبرها ''ممثلوا" الامة اشارة من القصر على أنه لا يجب تمرير القانون لانه سيشكل عبئا سينضاف الى الاعباء الاخرى التي تتقل كاهل العائلة الملكية في الخارج، وطبعا العائلة الملكية في المغرب ليست بحاجة الى اتهامات أخرى تنضاف الى سجلها ويكفي ان ترد على الاتهامات الحالية.
سمو الاميرة:
كنا نتمنى ان تكون لك وقفة مع الطفولة المغربية يوم اغتصب دانييل غالفان 11 طفل وطفلة، كنا نتمنى أن يكون هناك بيان شديد اللهجة ضد قرار العفو الذي دبجه الملك، كنا نتمنى ان تتعاطي بحس المواطنة وبروح الانتماء الى الوطن أكثر من الانتماء الى القصر الملكي، خصوصا وان على كاهلك رئاسة مرصد وطني لحقوق الطفل وظيفته الاساسية ربط المغرب بمصاف الدول المتقدمة فيا يخص حقوق الطفل.
سيدتي:
تعرفين واقع الاستغلال الجنسي الذي يخضع له أطفالنا من طرف طلاب المتعة القادمين من الخليج العربي، ان مرصدكم لايجب أن يسكت عن هاته الممارسات حتى وان صدرت عن أصدقاءكم، حتى وان صدرت عن من يجزلون معكم العطاء، فقدسية حقوق الطفل أهم من قدسية المال وفوق كل قدسية وفوق العائلة الملكية، فأطفال اليوم هم رجال الغد.
ان سموكم يجب ان تتوقف على التعاطي مع حقوق الطفل بانتقائية، لا يجب أن تضعوا هاته الحقوق موضعا للتزلف الى الخارج بل يجب أن تومنوا بها وتعملوا من أجلها.

الرميد يصدر تعليماته للنيابة العامة للتحقيق مع منير الماجيدي بشأن تسريبات بنما

الاثنين، 4 أبريل 2016 / لا يوجد تعليقات



 


أفادت مصادر من  داخل وزارة العدل والحريات المغربية، أن وزير العدل المغربي مصطفى الرميد قد أصدر تعليماته للنيابة العامة من أجل فتح تحقيق مع منير الماجيدي السكرتير الخاص للملك محمد السادس، و أفاد ذات المصدر أن وزير العدل علق على الخبر فور الاضطلاع عليه في الصحف والقنوات العالمية ''لا يمكننا كحكومة تحترم نفسها أن تسكت، وأن استقلال القضاء على المحك، ولا أقبل أن يكون مواطن فوق القانون في عهد هاته الحكومة'' وكان اسم منير الماجيدي قد ورد في تحقيق استقصائي أجرته 100 مؤسسة صحفية ويخص جرائم التهرب الضريبي والتورط في قضايا فساد ومن بين الاسماء المتهمة بالاضافة الى الكاتب الخاص للملك السيد منير الماجيدي كل من :
 الرئيس الأرجنتيني، موريسيو ماكري
رئيس وزراء جورجيا، بيدزينا افانيشفيلي
سيغموندور غونلوغسون
رئيس وزراء العراق السابق، إياد علاوي
رئيس الوزراء الأردني الأسبق، علي عبد الراغب
رئيس الوزراء القطري، حمد بن جاسم آل ثاني
امير قطر، حمد بن خليفة آل ثاني
ملك السعودية، سلمان بن عبدالعزيز آل سعود
رئيس السودان السابق، علي أحمد الميرغني
حاكم الإمارات، خليفة بن زايد بن سلطان آل نهيان
رئيس الوزراء الأوكراني السابق، باولو لازارينكو
الرئيس الأوكراني، بيترو بوروشينكو
كما شملت القائمة مقربين من رؤساء وقادة الدول على النحو التالي
اسرة رئيس أذربيجان، إلهام علييف
ابنة رئيس الوزراء الصيني
أصدقاء الطفولة للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين
الصديق المقرب لبوتين، سيرجي رولديوغن
ابناء خال الرئيس السوري، رامي وحافظ مخلوف
والد رئيس الوزراء البريطاني، إيان كاميرون
ابن الرئيس المصري الأسبق، علاء مبارك


ملحوظة :
كل ما ورد في هاته التدوينة الاخبارية هو ضرب من الخيال، لا تصدق كل ما تقرأه.


ساكنة حي الرحمة تخرج للاحتجاج على انعدام الامن يوم الاحد 27 دجنبر 2015

الأحد، 27 ديسمبر 2015 / لا يوجد تعليقات

دعت ساكنة حي الرحمة بسلا الى الاحتجاج يومه الاحد 27 دجنبر 2015 على الساعة الثالثة زوالا امام مسجد الرحمة، وقد عممت الساكنة بلاغا في الموضوع أنقر هنا نشره الموقع الخاص بتنسيقية ساكنة حي الرحمة على الموقع الاجتماعي فايسبوك، ذات البلاغ دعا كل الهيئات الحقوقية والنقابية والجمعوية الى مساندة الوقفة المزمع تنظيمها من طرف أرباب المقاهي ومحلات البيع، ويأتي موضوع الوقفة يضيف البلاغ بسبب انعدام الامن  وانعدام مراكز شرطة القرب،  خصوصا وقد تم التداول مؤخرا في مشاهد اجرام خطيرة كان ضحاياها أحد التجار الذي تم الاعتداء عليه بطريقة وحشية. 



من يومياتي:من هو الراحل عبد الكريم الماحي الذي لا زال حيا؟

الأحد، 29 نوفمبر 2015 / لا يوجد تعليقات


الكتابة انفتاح جرح ما""
فرانتس كافكا

من يوميـــــــــــــــــاتي:
لم تشأ الظروف بعد أن أبدأ في كتابة هذه القصة-الشهادة، فقدت فتحت المسودة مرارا وتكرارا وأغلقتها، وها أنذا أعيد فتحها من جديد، أحسست بثقل المسؤولية أكثر فقد وعدت شخصا ما أن أكتب فقط لتأدية شهادة. ان كل ما سيرد في هذه الفقرات حقيقي. عشت بعض تفاصيله وسمعت عن الاخر. ان الشخصية التي تتحدث عنها السطور القادمة هي شخصية غير تقليدية بمعنى ما. انها تحمل صفات الالم، علامات جرح ما...
فليكن...

باقي في يدي خاتم لمحبة
باقي تايه نمشط سالف الريح
 نسحابك
انت
باقي فيا مانزيد عليك
الى قالوا بزاف عليك
هادا عمري ليك
السمية حسكة
والروح فتيلة 
تلالي وتشالي
وتعالي يا ديك الغادية
انا بعدا ما نسيت
انا بعدا ما فنيت
انا بعدا ما رضيت..
عندما رفع عينيه أخيرا وقد أنهى القراءة من القصيدة الذي بين يديه، نظر الي نظرة يبدو انه قد جمع فيها كل الفوضى التي بداخله ثم أشار الى الديوان :
- خذه انه لك..
أجبت وانا أحمل بين يدي الكراس الصغير كأني احمل شيئا ثمينا
- ليس معي ثمنه
- هو لك بالمجان..
ثم أضاف وهو يمد يده الى جيب سترته ويستخرج سيجارة من النوع الردئ وضعها على الطاولة، ثم عاد فوضع كفه عليها وكأنه يخجل بها.
-لم يعد لدي نسخ كثيرة من هذا الديوان، والنسخة التي أعطيك هي من ضمن النسخ الاخيرة المتبقية لي. ان ثمنه هو ''سومة كفن" .
قرنت حاجباي ومددت شفتي متسائلا...
- 30 درهم.- أريد أن يكون عندي في لحظاتي الاخيرة ثمن الرداء الذي سيضعوني فيه عندما أموت.
 تأكدت أنني أجالس انسانا يائسا، ولاني غريب في هذه المدينة فقد تعاظمت غربتي أكثر، كانت المسافة بيننا ضئيلة، كان يبدو لي على مرمى نظر، نظرت الى ساعتي وتعللت بدعوى الرحيل. أما هو فقد لاحظ ارتباكي الظاهر، كان ينظر الى حركاتي النزقة من عل، سحبت معي الكيس البلاستيكي الذي كان مملوءا بروايات "حنا مينة" وضعت الديوان تحت أبطي ونقدت النادل ثمن القهوة ومددت يدي لصديقنا مسلما.
- الى اللقاء
- ستغادر الان الى الرباط؟ قال ذلك فبدت الكلمات وهي تخرج من فمه وكأنها تحاول ان تجد لها منفذا مع سحب الدخان الكثيفة.
- نعم، هذا أوان الحافلة.
- كسؤال أخير هل أنت صحفي؟
-لا. أدون أحيانا.
- أكتب شيئا عن ديواني وأرسله لي هنا.
أخرج ورقة وقلما وخط بريده الالكتروني وسلمه الي ثم مد يده أخيرا مسلما  و أخيرا ضغط على يدي  لاظهار حرارة الصداقة.
- الى اللقاء يا عبد الكريم ، الى اللقاء يا صديقي...
.....................................................................................................
كان الوقت مساءا عندما وصلت الى مدينة الجديدة، أنا  تعب كما يحدث معي غالبا في كل سفر، وعندما ألقت الحافلة ما بجوفها من خليط البشر، كنت أستطيع أن أشم رائحة الهواء المنعش المختلط مع رائحة احتراق البنزين، المحطة شبه فارغة الا من بضع أولاد يشدون ملابس  بعضهم البعض ويشيرون الى السجائر النصف المشتعلة الملقاة على ألارض. أحسست برغبة جامحة للتدخين، جررت نفسي حتى الكورنيش وطلبت قهوة سوداء وأشعلت سيجارة...
رن هاتفي، في الجانب الاخر كان صديقي نور الدين يرفع صوته محييا.
-هل وصلت؟
-منذ زمن بعيد يا صديقي.
-سأغادر الفصل وألتحق بك لا تتحرك من مكانك.
كان نور الدين معلما طموحا في الماضي، ابن المدينة التي أسكنها الان. لكنه منذ زمن استقر هنا، يدرس خارج المدار الحضري ألف العيش مع البدو خارج مدينة الجديدة، كان مرتاحا في هذا الجو وفي كل مرة كان يأتي الى سلا كان يبدو لي أنه خارج'' الاسوار".
لم أكن أدري كم مر من الوقت قبل أن افاجأ بصديقنا أمامي، على شاطئ "الجديدة" كنت أحاول ان أضع يدي على فوهة الكأس حتى أمنع شظايا الرمل من الوصول الى داخله. الرياح البحرية الخفيفة كانت تحمل كل شيئ  الى طاولتي.  وصل نور الدين في وقته .
-سئمت؟
- لا، قضيت بضع دقائق وانا أشاهد الراكضين على الشاطئ.
-جميل، أجلس في كل يوم في مثل هذا الوقت مع بعض الاصدقاء في بار هنا. تعال لتنضم الينا.
الجديدة كوردة جميلة متفتحة أتناء الليل، ونحن نعبر ملتقى الطريق الكبير، كنا نستطيع ان نشاهد ''الدكاليات" الطيبات وهن تتغامزن حول الاغراب عن المدينة، كنا في السابع والعشرين من شعبان،  والمدينة من هذه الزاوية تبدو انها تستعد لشهر رمضان كما تستعد باقي المدن، كانت أفواج الناس تعبر الى المدينة القديمة دخولا وخروجا كأسراب النمل. وعلى سبيل التذكير همس لي نور الدين ونحن نقف أمام الباب الصغير للحانة
- اليوم هو اليوم الاخير في المدينة قبل اغلاق الحانات.
- فليكن احتفالنا بهيجا اذا- قلت ذلك وأنا أصنع بيدي نخبا متخيلا.
عندما صرت وسط الحانة غيرت رأيئ، بالكاد استطعت الحصول على كرسي لاجلس عليه وسط هذه الفوضى العارمة، وعندما تقدمت مني الفتاة بشعر أشقر معقود بشوكة صينية أشرت اليها:
- أي شيئ
بدت على وجهها الجميل علامات الاستغراب، كانت تريدني أن أكون دقيقا في طلبي،، وانا كنت أريد ان أقول لها تعالي بأي شيئ في يدك و دعيني أرى فقط ابتسامتك، انا لا أريد ان أصير مثل هؤلاء.
أمام الطاولة النصف ممتلئة بالقنينات الخضراء وضعت زجاجتين و نظرت في عيني نظرة مباشرة، قدرت سنها في الثامنة عشر، وتخيلتها وهي تنزع شوكة الشعر و تحرك شعرها القصير أمامي في كل الاتجاهات، فتتحرك الحانة بأكملها، عندما تراجعت الى الخلف كانت كما أنها تقول لي
-مكانك ليس هنا.
وانا قلت لها نفس الشيئ، بأبجدية صامتة.
بعد قليل ها نحن ندير حلقة تعارف سريعة، تعرفت على الشلة واحدا واحدا، كانوا مخمورين لدرجة لا توصف. ألحان ''الشعبي" ترتفع بعنف في هذا المكان الصاخب، لا أحد ينتبه للمغني الشاب الذي بدا وكأنه يعزف لنفسه، دخان السجائر الكثيف يحجب عني سباقات الخيل المنقولة على التلفاز.  
الساعة تشير الى الحادية عشر والربع، كنت متعبا ونور الدين لاحظ ذلك بعد ان فتر حماسي في تتبع تلك الحوارات التي لا تنتهي، كانت عبارات الود شيئا دارجا بين السكارى، الحانة مكان للحب على عكس مايتخيله الكثيرون، ان كل الموجودين هنا يتخيلون أنفسهم خطاة، ان جملهم هشة وأفكارهم متواضعة ويسهل معشرهم والحديث اليهم، والذي يتحدث اليك نصف كلمة سيلقي اليك بتلك الكلمة السحرية.
- راك عزيز.
انهم محبوبون ولطفاء وحساسون وهم سخاة على نحو لا يوصف. على عكس الكثير من الصحاة قساة القلوب.
- هل نغادر؟
-نعم اذا كان ذلك ممكنا.
تعال سنجلب معنا قنينة نبيذ أحمر ونغادر.
دخلنا حانة قريبة من الاولى، كان بابها الرئيسي نصف موصد فقد اقترب منتصف الليل. حيث يجب على الحانات ان تغلق قانونيا. كنا في نهاية شعبان ولا يبدو ان للخارجين من هنا اهتمام بالاله أو القانون أو هكذا تبدى لي. بقيت في البهو منتظرا، ظهر نور الدين أمامي وعلى وجهه ابتسامة مشرقة.
- تعال سأعرفك الى أحد الاصدقاء.
جوف الحانة كالحانة الاولى ممتلئا، تقدمنا وسط خليط الجالسين والواقفين معا. حتى وقفنا أمام رجل نحيل البنية ضامر الجسم.
- أقدم لك عبد الكريم الماحي هل تتذكره؟
- الزجال؟
- نعم.
عندما قلت الكلمة، بدا وجه صديقنا الجديد مشعا، نظر الي نظرة معينة ورفع يدا ثقيلة وهو يشير بسبابته نافيا هاته التهمة التي ألصقتها به للتو.
- صديقنا من الرباط- لقد تحدثثما على الهاتف- قال نور الدين وهو يوجه الكلام اليه.
نظرت اليه مصادقا على كلام نور الدين، وزيادة في تحميسه قلت له بأنني أحفظ بعض الابيات من ديوانه ''لحماق تسطى".  لم يبدو عليه الحماس لاختباري، اما انا فقد استنتجت استنتاجا متسرعا، بأني ذكرت صديقنا بذكرى غير عزيزة على قلبه.
تشبتت أنظاره بنا ونحن نبدو متأهبان للمغادرة، كان يتكلم بصعوبة فتضيع كلماته وسط ضجيج الحانة، الزبد الابيض المتكاثف حول فمه يعطيني انطباعا ان الرجل اقترب من مرحلة فقدان الوعي.
- هل تغادر معنا؟ قال نور الدين موجها الكلام اليه رأسا
نظر الينا نظرة متتاقلة وهم بالنهوض من الكرسي الدوار، اتكأ على حافة المشرب، وانزلق على الارض ككومة لا واعية، التقطناه وسرنا به مسافة البهو. بينما كان يتساءل هو عن محفظته، قلت له مازحا :
-محفظتك معي، وهي تقيلة جداا. هل تضع فيها قنابل يا صديقي؟
- ليس بها قـــ....ن....ابل لكن حتما شيئ خطر.
-منشورات سرية؟
....
كان عبد الكريم يلبس بدلة سوداء غير مكوية، ويبدو انه قد أتى للتو من اجتماع مهم، لكن انت اذا تمعنت فيها جيدا، ستجد ان بها بعض الثقوب في أماكن عدة، اما الحذاء الاسود فبهت لونه وتقوس. بدا وجهه ضعيفا أقرب الى الهزال، بينما شعر لحيته وذقنه خفيف، ويبدو للرائي ان في وجهه أثار ندوب من جذري قديم. كان مظهره بدويا.
انا كنت منتشيا قليلا اما نور الدين فقد كنت أسميه ''المحترف" حيث لايمنحك مظهره علامات جيدة عن كمية ما في جوفه من كحول، ووسطنا كان يقف عبد الكريم شبه حي، كنت أحمل محفظته وأسنده جيدا حتى لا يقع، بينما أبتسم ابتسامة بلهاء وأشير الى سيارات الاجرة الصغيرة مشجعا أياها على التوقف. بعد كم من الوقت توقفت سيارة أجرة، وعندما أصبحنا داخلها و تجاوزت بعض الشوارع الفرعية. وما أن نطق عبد الكريم أول كلماته حتى بدا على سائق سيارة الاجرة بعض الندم.
يا ديك الخاطر الغادية..
فين ناوية تباتي؟
تباتي وصوابي فيك أخاطري.
غادية تجري
محفنة عوام سخونة
مكمشة طرقان طويلة
شحال نتي عزيزة أخاطري.
حتى طابت الدرسة.
عاد لهاك عجاج
خاطري بلا فقسة
ياك الصبر درتيه تاج.
-الله الله- قال سائق سيارة الاجرة وهو ينظر الى عبد الكريم في المرأة الداخلية للسيارة. ويبدو ان أبيات الزجل قد أحدثث في نفسه شيئا من القبول.
..
وصلنا باب الشقة بصعوبة، أحسست بنوع من الارتياح، كانت الشقة في الطابق الرابع، كنت أسند عبد الكريم وما أزال حاملا لحقيبته، فتح نور الدين الباب فاندفعنا ككثلة  واحدة نحو الحصير المفروش على الصالون، كنا متعبين جدا، فتحت النافذة كاجراء روتيني من أجل الحصول على بعض الهواء. كنا نحن الثلاثة ننظر الى السقف المرتفع، ثلاث أعمار مختلفة وتساءلت من مكاني ان كان يعني النظر الى نفس المكان نفس الشيئ لجميعنا.
-استيقظوا يا أبناء الزنا لم نأت هنا لننام- قال عبد الكريم وهو يحاول التقاط أنفاسه.
انا انفجرت ضاحكا، اما نور الدين فقد كانت تبدو في وجهه نظرة عتاب الى صديقه ، اقترب منه ثم هزه من كتفيه هزا خفيفا.
- وجه كلامك الي في المرة القادمة، دعك منه انه ضيفنا
-ان كان من النوع ال...... فافتح له باب الخم ليغادر
-دعك منه- قال نور الدين وهو يأكد ما قاله قبل قليل.
-تصرف على سجيتك وقل ما تريد- قلت بثقة وانا أحاول ان أحسم هذا الجدل الذي بدأ للتو.
- أنظر أنظر لقد أعطاني الضوء الاخضر..
نظر عبد الكريم داخل الغرفة وهو يحاول ان يتذكر أين هو، عرفت ذلك من نظراته الغريبة الى الاشياء، قال مفاخرا وكأنه توصل الى شيئ جديد بعبقريته الحديثة
- نحن في منزل نور الدين.
-يا للاكتشاف العظيم- قال نور الدين هازلا ثم أضاف:
- أزل حذاءك انك فوق الحصير الذي نأكل عليه.
- لم أزل حذائي منذ أمد بعيد، لا أعرف كيف سيبدو منظر قدمي ولا حال جواربي.
نظر نور الدين الي:
- انه ينام قرب الارصفة و الحانات وفي الاماكن الخالية وداخل السيارات المنسية. وهو لا يزيل حذاءه حتى لا تتم سرقته.
- يسرقون هذا الحذاء؟- تسائلت ساخرا.
- ومابه هذا الحذاء ؟ قال عبد الكريم الذي اعتقدت انه لم يكن يتابع حوارنا. كان الزبد الابيض يتطاير من فمه- يجب ان تعلم انهم سرقوا يوما الجريدة التي كنت أتوسدها داخل الميرسيدس المهجورة.
- لابد ان بها خبرا مهما- قلت وانا أحاول ان أجعل جملته تبدو طريفة ومهمة في نفس الان.
- لا يهتم الجائعون بالاخبار.
- لابد ان بها خبرا سعيدا عن رجل جاع فقرأ خبرا فشبع ونام.
فتح عبد الكريم فمه ساخرا.ثم أردف - أسكت أيها الابله
كان لا يزال منتعلا لحذاءه، ولا يبدو ان توسلات نور الدين وجدت صدى لديه، كان عبد الكريم يقف مسندا رأسه على سارية قريبة، تداهمه في كل لحظة نوبة معدة فيضع يده في وسط صدره متألما ويخور كثور هائج ثم يصمت، أخرج نور الدين الزجاجة الخضراء المتعرقة ثم همس الى صديقنا:
- أزل حذاءك وتعال.
 نظر عبد الكريم الى زجاجة  النبيذ  نظرة رجاء، كان يريد أن يقول لها تعالي يا حبيبتي بيننا أمر لا يحتمل التأجيل، دبت في جسده دبدبات الحياة مجددا، تساءلت أنا عن ما يجعل هذا الرجل يقاوم. لا شك انه ايمان ما، شيئ غير مرئي يجعلك تقاوم كل يوم معركة الحياة والموت، كان امامي خيال انسان لا انسان، كانت عظام وجهه بارزة اما البذلة التي يلبسها فقد كبرت عليه شيئا فشيئا مع توالي السنين، لكنه لا يزال محتفظا بها لانه لا يملك ان يشتري سواها. ما أقواك يا صديقي ما أقواك.
- بغيت الما سخون..
كان منشغلا بازالة حذاءه، ويبدو ان قد استغرق وقتا طويلا. نادى على النور الدين من المطبخ
- احضر سكينا- هاته الخيوط متشابكة .
عندما أزال زوجي الحذاء رفع الينا قدما تطل أصابعها من جوارب ممزقة، قال مفاخرا :
-من منكم أيها البلهاء تحمل جواربه مثل هذا التاريخ الاسود والممزق؟
انت ؟ اشار الى نور الدين الذي يبدو انه منشغل بتجهيز المكان لاستقبال وليمة ما- أم  انت؟ أشار الي مباشرة . هل تملك جوارب مثل هذه أيها البرجوازي الصغير الذي لا يزال مؤمنا بخرافة توحيد اليسار؟
لم أجبه مباشرة نظرت الى السقف في محاولة لاستدراجه ليقول أشياء يعرفها عني. اما هو فقد ضن أنني أهينه بصمتي فانفجر:
-أجب أيها...
تذكر اننا تعارفنا  للتو فصمت عن أكمال الكلمة، تساءلت بماذا كان سيصفني؟  وأطلقت نحوه اهانة طائشة:
- رجلاك نشطتان، يبدو انهما قد تعفنتا، أغسلهما بأسرع وقت ممكن.
تشرب الاهانة على مهل، في البدء ضحك  ثم عاد فعبس، نظر الي نظرة حقد، ثم توجه  الى نور الدين بكلامه وهو يوشك أن يبكي:
- صديقك أهانني.
- انه لا يقصد.
أحس انه أصبح غريبا بيننا وقال أنه سيغادر، تساءلنا معه الى أين، لكن لا يعرف، قال انه لا يريد ان يبقى في هذا المكان دقيقة اضافية. قرر انه سيكمل معنا السهرة أخيرا بعد ان اعتذرت له وحذرته من الصقيع البارد في الخارج. كان ثملا كليا لكن مازال فيه موضع لا يتحمل الاهانة، ان الانسان هو هاته النقطة بالذات وان الروح الانسانية مسألة كرامة.
- مرحبا يا أخي مجددا- قال عبد الكريم والذي يبدو انه نسي تماما موقفي معه قبل قليل.
-شكرا- خاطبته بود وانا أفسح له مكانا في الزاوية قربي.
- انها هناك - أشار الى الزجاجة المتعرقة التي كانت موضوعة في وسط الصالون كفخر متحف وطني افتتح لتوه
- انها تنادينا.
نظر عبد الكريم الي وهمس بكلمات غير مفهومة كما لو انه كان يتلو صلاة ما ، بدا وجهه أقرب الى وجه متصوف زاهد، نظر الي أعلى الغرفة، انتفض جسده انتفاضة سريعة ثم صرخ  بأعلى صوته
-لماذا انا يا ألهي؟
حملت صرخته نور الدين من المطبخ الى الصالون على عجل، نظر نحوي مستفسرا فلويت شفتاي، كنت مثله لم أفهم الموقف. وتذكرت الشاب الكفيف في الحي الجامعي بالرباط الذي كان يخرج الى الساحة الواسعة ويصرخ نحو السماء بعد ان تكون الخمرة قد تلاعبت بخلاياه ( لماذا انا يا ألهي لم؟ )  كان حوارا صادقا مع السماء. أو شكوى مؤجلة تفصح عن نفسه عند احياء اللاوعي.
اللحظات تتقدم ببطئ ثم تسرع، أطفأنا ضوء الغرفة وأشعلنا شمعة. كنا نتحلق ثلاثنا حول زجاجة النبيذ، ننظر الى وجوه بعضنا البعض براحة واطمئنان. مددت يدي نحو الزجاجة، فنهرني عبد الكريم بخبث
- دعها.
- لا تخف لن أنزع ثوبها- عقبت على كلامه بنفس اللهجة.
- هي أصلا عارية. انت فقط تريد ان تستفز نشوتها في أول السهرة، ثم ان أجمل شيئ ( أن ترى زجاجة تتعرى لا أن تراها عارية)  أليست هذه كلمات روائي ما؟
- نجيب محفوظ- قلت بثقة ثم أضفت: مع بعض التغيير الطفيف ان لا أمانع أنسنتك لهذا الجماد الذي امامنا
-جماد؟ نطق باستغراب.- هذه قنينة خمر واهبة الحياة. هل يمكني ان تهبك الجمادات الحياة؟
- على حسب علمي لا.
اشار الى محفظته الموضوعة في الزاوية، وعندما كانت بين يديه استخرج منها شيئا وضعه بين يديه.
- هل تدخن الحشيش؟
رددت بحسم وجمود:
- أنا؟  لا.
- قلت لي قبل قليل انك تكتب أحيانا، كيف تكتب عن أشياء لم تختبرها قبلا، ان الافكار التي لديك حول التجارب والاشياء هي ضلال للتجارب والاشياء مجرد وهم وكفى، اننا نحتاج لنكتب عن الحب والناس والجنس ان نعيش الحياة. ان نختبر كل شيئ بعمق، هل انت من الذين يلاحظون فيكتبون؟ تحتاج الى وضع اي فرضية قيد الاختبار.
- حسنا، لقد جربت تدخين الحشيش مرة واحدة وانا لا أنوي العودة للقيام بذلك.
نظر في وجهي ثم أطلق ابتسامة صغيرة سرعان ماغمرت وجهه المكسو بالتجاعيد، كان كمن ظفر مني أخيرا باقرار مهم.
عندما أتما أخيرا  انجاز المهمة التفت نور الدين نحو عبد الكريم قائلا:
- الكمية الكمية.
- يالله .
- اقرأ لنا من الكمية. هل تحفظ القصيدة.
- أحفظ كل شيئ كتبته بيدي.
اعتدل عبد الكريم في جلسته نظر الينا صامتا كمن يريد ان يسترعي انتباهنا ثم بدأ:
كمي لفهام
طفي على لرض
 و دك من البحر جغمة
وياك مواجو يشلقو ليك
وجر من البر
شجر و حجر
وغوت على جن أعمى
يمكن ليك السما
ونقيها
نجمة
نجمة
نجمة
حوز الكمرة
راه الشمس جمرة
بشعاعها
غزل خناشي لهبال
الدنيا عريانة والاخرة سترة
حوز ما يجوز
من لعالم
على صدرك
انتف الشيطان
من حوض المحنة
وزرع الانسان
في حوض المحنة
ايه على الحزان
راها تشبرت
وعورت الموت
وجاتني فيك أحماقي
تخميمة
وسكت قصيدتي
بهيمة
....
كانت كلماته بسيطة وعميقة اما قراءته فكانت أشبه بطقس ديني معتاد هو على القيام به، أصبح قويا مهتاجا، لمعت عيناه كقطعة نقدية ثمينة، اما نور الدين فقد كان ينظر نحو الارض وهو يلوح بسبابته نحوها كظابط ايقاع، سرا جو من الابتهاج، أحسست أنني أعرف هذا الرجل، كانت كلماته و هيئته قد اكتست بحلة جميلة أمامنا، تبخر الرجل الغير الانيق الذي كان قبل قليل، وظهر رجل أخر.  رجل ملوكي بجبهة عريضة ساطعة، بأبهة ضاجة وحضور طاغي، وعبثا تساءلت أنا ( لم يكن سقراط يقول أي شيئ عندما قال : تكلم لاعرف)  أووه هل انا سطحي الى هذا الحد؟ نور الدين الذي لاحظ سهوي المباغت أشار الي بفخر:
- كتب عبد الكريم هذه القصيدة عندما كنا نلهو كمتشردين في هذه المدينة القاسية، هل يمكن ان تتخيل رجل تعليم يجوب الشوارع في النهار يناقش المثقفين وفي المساء ينام وحيدا مفترشا علب الكرتون؟.
بدا ضوء الشمعة  بهيا على طول الصالون، الضلال تتراخى وتتمدد والنسيم العابث بوجوهنا يحمل أملا ما، انه قادم من الشاطئ،  الليلة تتقدم بتؤدة ووتكبر الثواني ببطئ فتتحول الى دقائق وساعات، لم ننتبه أخيرا الا وقعر القنينة يقول لنا كفى.
أشعلت سيجارة وانا أحس انني أنتمي الى هؤلاء، كان السيدان اللذان يجلسان أمامي رجلين حرين، افترشا الارض بالامس وهاهما يلهوان اليوم عابثين، وفي كل مرة كان لسان عبد الكريم يحمل لنور الدين ثناء مبطنا، كان هذا ينهره بااسم الصداقة.
وباسم الصداقة استمعت الى عبد الكريم هذا الكهل النابض بالحياة مخمورا، هذا الرجل ابن حد ولاد فرج، كان يستطيع ان ينظر الينا بحب ويقاسمنا أحزانه و دواوينه، حتى قصائده السرية استخرجها من حقيبته أخيرا. وقرأ لنا منها:  ''شكون جرح الدم"  كان التشبيه رائعا راقيا، تساءلت في داخلي، نحن عندما ننزف او نصاب بجرح ينزل الدم، لكن هل يمكن ان يصاب الدم ذاته بجرح، فينزل من الدم دم؟ وهبت أخيرا كأس نبيذي الاخير  بعد ان كان نور الدين وعبد الكريم قد أنهيا كأسيهما وارتخيا، يقرأ لنا عبد الكريم من قصائده، ثم يتوقف قائلا ان القدر كان سخيا معه اليوم، لانه لا يعرف أين سينام في الغد، في هاته الليلة وانا أنهي كتابة هذه السطور، ركبت رقم عبد الكريم لكن الرقم لا يجيب، أتذكر كلماته قبل أشهر وهو يودعني قرب الشاطئ قائلا:
- عندما أموت ستعرف مدينتي أي انسان فقدت
كان أمامي انسانا ضائعا تائها في دروب هذه المدينة، يعرفه الجميع ولا أحد يعرفه، وعدته أن أكتب عنه لاحتفظ عنه بذكرى. هجرته القبيلة والعائلة، لم يعش الا من بيع دواوينه، وديوانه ''لحماق تسطى" هو من أصدار جمعية ربيع الابداع، يستعد لاصدار ديوانه الثاني لكنه لم يجد داعما بعد، اما وزارة الثقافة فتضع شروطا معينة قبل دعم أي كتاب، المثقفون في وطني ضائعون. لا أحد يمد يده اليهم. عبد الكريم بنفسه حدثني عن موسيقى وفنان وشاعر وجدوه ميتا في مدينة الجديدة في مكان خالي. هجره الجميع. على أمل ان يقرأ عبد الكريم هاته السطور فيتذكر منها شيئا عبد الكريم الذي يضع امضاءه على الدواوين باسم: الراحل عبد الكريم، انطلق هذا المشهد من الكورنيش بعد تلك الليلة الدامية حاولت ان أشرب قليلا وأتراجع الى الوراء لكي أشاهد المشهد كاملا. وفي الصباح غادرنا غرفة نور الدين معا، جلسنا نشرب سيجارتين ونحن نشاهد المصطافين على الشاطئ الذين يلتقطون الصور من على ظهر الفرس الجميل، انتهينا أخيرا، أنهينا حوارا كان قد بدأ، اما وجه عبد الكريم فقد اكتسى لمسة جدية سلمني ديوانه، مددت له يدي مسلما واتجهت الى المحطة. الى كل من يزال على قيد الحياة في المملكة، الى  كل المجهولين الذين غادروا في صمت فلم يعرف العالم أين أناس فقد، والى أصدقائي الذين مازالوا صامدين:
سلاما
سلاما
سلاما
........ 
انتهى
الرباط-الجديدة: شعبان 2015
ياسين المرزوكي


بعض قصائد من ديوان عبد الكريم الماحي ''لحماق تسطى"

والو
بغيت نكتب
توحشت البكا
ابغيت نتعذب
من ذاتي لحكا
ماقديت على والو
حنت حنت
لبارح والو
واقبل البارح والو
وهاذ اليوم والو
علامن نعولو؟
تشرشم الهم
تكدات القلوب
عادت طراف
على لكتاف والو
والو عاد بينا لقوالو
وملي سولناه
ماقال والو
حيث والو
مايعطي والو
سرسر لعمر
فاقت الساعة
تنش بالشوف
توال داك الشوف
وملي شافت
قالت راه راه
وامعاه ش اغيام
وزحام على والو
شدينا في يدينا
وادخلنا ريوسنا
.....................................

حول المرأة:

دمي يتقاطر من قلبي رهيف
ومني يا لطيف مافيها ( مني يستعلمها الكاتب للاشارة الى انتماء المرأة اليه)
رحمة
قال التاريخ نتبدل
قال العقل نتفكد
قال الهم نعدد ونرحل
قالت الذات صبر
ساعة (مني) طولات
وسرحت خيوط العافية ونجات
بخلاخل
الطرش
مني هي لي هدمت العش
وانا اذكر السلام
يا سلام
يا سلام على خليقة
وفي رقادي فايقة
في فياقي ما قالت نعام
شحال عيطت وااااا مني
ومني طال الكلام
من لسان شاحف
من أعقل راعف
من دم سال
سال على دربالة الهبال
وانت يا مني مدهية
في ليالي حمرة والتريا أموال
وانا مني اشهك موال
ومال اغيابك طال أمني
الرجوع لله
مني صورة في البال
هاك عيني نكيها من الشوف
....

"الحماق تسطى"
لحماق تسطى
والسبيطار ادارة
باغ شهادة الحياة
سايفطوني لدار الموت
لقيت شلا خوت
ها لمعنزز
ها لمكنزز
و هاد مدفون بزز
كان يحب الوطن
درت ودني في صبعي
وغوت عباد الله
واك واك أنا
هربت الروح
وانسات الذات
والدود مربع
كدام الادارة
لي هي كلت سبيطار
حكا رجلي انسات
وتخطات الوزارة
لحماق تسطى
فين أبنادم؟
سولني عقلي
جاوبوه الاحاسيس
كلشي ولا بوليس
ما بقا ظالم
ما شكا مظلوم
وشرب الوطن من دمي السخون
الوطن شوفو شوفو راه
راه يتلاوح في الدنيا سكران
دازت من كدام الحرية
جمع النوضة
انفد الثورة
طاح مناضيل
في كاس بارد
بردت نفسو
وشرباتو ليام
وسار هو
بحال هو
وهو يسير وهام
وتسطا الكلام
وراه الهدرة حمقة
وراها في الورقة عريانا
بلا حيا أكماني الزممان
وداخت الوقت
ومايتسالني حد
حنت الظلم مابقا ليه حد
ورد رد بابك
وياك الساروت يبقا برااا
الرشوة والتدويرا شعار
والعقل شفار
والخوف شرف
في كلوب الفقهاء
ايه الضحك فيا
وانا ما حاس بيه
ايه لبكا عليا
وانا نعشي غادي بيه
والهيه لا
باب الروضة
ها دهنة العساس
وايلا خلاك تدخل
وها بياض الحفار
ايلا هو انت
وانت على الموت تبري
وها لكفن
من خيوط السياسة منجوج
عندك النفس
موت معيا في الخط
والخط مزكول شحال من مرة
مرة كدبة مرة حكا نسيت
ومارات تسنى
حتى تقوم القيامة
ونتجموا في وعيطا وحدة
ونقولو والحق بسلامة
.....
عبد الكريم الماحي- زجال الجديدة